الشبكة العراقية للإعلام المجتمعي (أنسم) | العراق

دينا نجم | خبيرة وباحثة في مجال التواصل الاجتماعي | أخصائية اتصال ورئيسة ملف المدونات في شبكة أنسم

توصّلت دينا ونشطاء عراقيون آخرون كانوا يعملون أيضاً على منصات وسائط اجتماعية مختلفة إلى فكرة تأسيس شبكة أنسم في عام ٢٠١٠.
 شبكة أنسم هي الآن بصدد التسجيل كمنظمة غير حكومية (NGO). تمّ إنشاء شبكة أنسم بحيث يمكن للمدونين من جميع أنحاء العراق تبادل المهارات والمعرفة، والتوصل إلى حملات تعاونية مختلفة عبر الإنترنت تفيد العراق.

اليوم، يضمّ المعهد الوطني للطبّ الرياضي حوالي 300 عضو في الشبكة، حوالي ٢٥٠ رجلاً و٥٠ امرأة، كلّهم متطوّعون. توضح دينا أنّ الحاجة إلى هذه المبادرة تتعلّق بالاحتلال الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ وأيضاً أنّ سقوط النظام سهّل أن يتمكّن العراقيون من الاتصال بشبكة الإنترنت في العراق.

تذكر دينا أنه “كان هناك هذا التحيّز حول تخلّف المجتمع العراقي، لذلك أردنا أن نظهر الصورة الإيجابية للعراق وشعبه لمواجهة الصور السلبية التي تمّ بثّها عن الحرب”. التأسيس، حسب دينا، كان دافعه هو “حاجة الشارع العراقي لبث صوته إلى العالم الخارجي”.

تتنوّع اهتمامات النشطاء الإعلاميين في شبكة أنسم وتشمل النشاط في مجال العدالة الاجتماعية، وفي مجال حقوق المرأة. تقول دينا: “في البداية، عانينا من أجل أن يكون معنا ناشطات، لكن في الوقت الحالي، ينضمّ إلينا المزيد والمزيد من النساء اللواتي يقمن بكسر الحواجز المفروضة عليهنّ في المجتمع العراقي”.

كانت المجموعة تتمتع بمهارات رقمية ممتازة، لكن العاملون في شبكة انسم أرادوا تطوير معرفتهم بشكل كبير وتطبيقها على نشاطهم عبر الإنترنت في العراق. قاموا بإحدى حملاتهم الأولى، دوّن معي، بزيارة المواقع التاريخية المنسية في العراق وإنشاء محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي حول كل موقع لإحياء ذاكرة الجمهور وجذب السياحة.

تم تنظيم حملة شعبية أخرى بعد مناقشة قانون الجرائم الإلكترونية في العراق. كان رأي شبكة أنسم في القانون أنّه يمثل تهديداً للتواصل السياسي عبر الإنترنت، وهو أمر يعتقدون أنه غير عادل ليس فقط للنشطاء ولكن لجميع مستخدمي الإنترنت في العراق. كان مشروع القانون غامضاً وقمعياً نظراً للمصطلحات المستخدمة والطريقة التي روّجت بها الحكومة لمشروع القانون حسب الحاجة للقبض على المعارضين. أنشأت شبكة أنسم صفحة على فيسبوك لتسهيل النقاش العام حول القانون المقترح بالإضافة إلى اجتماع شخصي مع أصحاب المصلحة وصنّاع السياسات.

بدلاً من رفض القانون المقترح، أرادت شبكة أنسم تعديله بطريقة تضمن للمستخدمين الحماية من المتسللين والمتحرّشين عبر الإنترنت. بعد ذلك، نظمت شبكة أنسم ورش عمل تحت عنوان “كن آمناً” للمدونين لتعزيز مهاراتهم وزيادة الوعي حول الأمن الرقمي والقوانين العراقية المتعلقة بالإعلام.

في عام ٢٠١١، تألّف فريق شبكة أنسم من حوالي ٥٠ ناشطاً إعلامياً من مناطق مختلفة من العراق مثل كردستان في شمال العراق. اليوم لديهم أكثر من ٣٠٠ عضو تتراوح أعمارهم بين ١٨ إلى ٥٠ عاماً، وأغلب الأعضاء تقلّ أعمارهم عن ٣٥ عاماً. معظم أعضائها هم من المدوّنين العامّين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع ذلك، لا يزال هناك خوف من أن يتمّ استهدافهم من قبل الحكومة أو المتطرفين في العراق لكونهم ناشطين، مما يدفع بعض الأعضاء النساء إلى استخدام أسماء مستعارة على الإنترنت. فريق شبكة أنسم لديه اهتمامات سياسية واقتصادية وثقافية متنوعة وهذا ينعكس في محتواه.

منذ تأسيس شبكة أنسم، تمّ دعم أنشطتهم مالياً بشكل أساسي من قبل المنظمة الدنماركية، International Media Support IMS.  في وقت لاحق، قاموا بالتعاون مع المؤسسات المحلية مثل جامعة بغداد، التي قدّمت مواقع مجّانية للتدريب بينما زوّدتها شبكة أنسم بالمدرّبين، كما تلقّت الشبكة العديد من عروض التمويل من الأحزاب السياسية المحلية، ولكنّ هذه الأموال مرتبطةٌ بدعم هذه الأطراف في الانتخابات لذلك رفضت شبكة أنسم دائماً الامتثال لأي تدخّل تحريري من هذا القبيل واختارت الحفاظ على استقلاليتها من خلال رفض تمويل الأحزاب السياسية دائماً.

وشملت المصادر الأخرى للتمويل الأجنبي منظّمات مثل معهد الولايات المتحدة للسلام (USIP)، ومعهد صحافة الحرب والسلام (IWPR)، وانترنيوز(Internews).

فيما يتعلق بالتسلسل الهرمي لـشبكة أنسم، هناك المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي، حيدر حمزوز، ومجلس إدارة يليه رؤساء الأقسام. يستفيد الأعضاء الـ ٣٠٠ من خدمات شبكة أنسم، مثل الدورات التدريبية والندوات. يقدّم الأعضاء للشبكة تقارير إخبارية ويساعدون أيضاً في التحقق من المحتوى.

تلقّى فريق شبكة أنسم تدريباً في عام ٢٠١١ في معهد تغطية الحرب والسلام (IWPR) في العراق على رواية القصص وفي أكاديمية التربية الإعلامية والرقمية في بيروت (MDLAB)، حيث تعلموا لأوّل مرّة عن التربية الإعلامية. عندما عادوا إلى العراق، تبادلوا المعرفة التي اكتسبوها من أكاديمية التربية الإعلامية والرقمية في بيروت مع نشطاء آخرين ومع طلاب من كلية الإعلام في جامعة بغداد. أدّى التدريب إلى زيادة الوعي والاهتمام بين طلاب بالنشاط والعمل التثقيفي الإعلامي.

تتذكر دينا التأثير طويل المدى لهذه الدورات التدريبية قائلة: “بعض الطلاب (بعد التدريب) كانوا مهتمّين جدّاً بالتثقيف الإعلامي لدرجة أنّهم أرادوا نيل درجة الماجستير حوله، وطلبوا أيضاً إضافته كموضوع رئيسي في المنهج الأكاديمي في جامعة بغداد”.

يخضع المحتوى الذي تنشره شبكة أنسم على موقع الويب الخاص بالشبكة لمراحل تحريرية عدّة، ويتمّ دائماً تحرير المواد التي تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتصحيحها عدة مرّات لضمان أعلى جودة قبل نشرها للعامّة بواسطة محررين محدّدين. تقوم شبكة أنسم دائماً بالتحقق من صحّة أيّ تقرير إخباري باستخدام مصادر مختلفة ومقالات متاحة للتأكّد من دقّة محتواها.

لتسهيل إنتاج المحتوى، تنشئ شبكة أنسم تقويماً للمحتوى للتأكّد من أنّها تحافظ على تنوّع الموضوعات على منصاتها الأساسية وأنه لا يوجد موضوع يتفوّق على موضوع آخر. يشكّل التنوّع في المحتوى والمشاركات المجدولة في الوقت المناسب الوظيفة الأساسية لـفريق شبكة أنسم لإبقاء الجمهور مهتمّاً وكذلك على اطّلاع.

منصّة الوسائط الاجتماعية الأساسية لدى شبكة أنسم هي فيسبوك. وبحسب دينا، فهي منصّة التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية في العراق، تليها تويتر ثمّ إنستقرام. تستخدم شبكة أنسم أيضاً مجموعات WhatsApp للاتصالات الداخلية السريعة وGoogle Doc كوسيلة لتواصل فريق تحرير شبكة أنسم مثل مشاركة المحتوى ومراجعته والموافقة عليه. نظراً لأنّ معظم الأعضاء من المتطوّعين، فهم حريصون على استخدام الأدوات المجانية أو منخفضة التكلفة التي يمكن أن تسهّل خلق محتوى عالي الجودة. للأرشفة، تستخدم شبكة أنسم منصة Dropbox، ولكنها تحافظ أيضاً على نُسَخ من المحتوى احتياطياً على محركات الأقراص الصلبة الخارجية وأجهزة USB من أجل السلامة وضمان الحفاظ على الأرشيف.

داخلياً، لديهم إرشادات صارمة لإعداد التقارير والتواصل عبر الإنترنت مع الجمهور. قام فريق شبكة أنسم بإنشاء وتنفيذ هذه الإرشادات بعد أن لاحظوا أن بعض الأعضاء ينشرون أخباراً كاذبة أو غير صحيحة عبر الإنترنت.

في العراق، لا يمكن الاعتماد على الإنترنت والبنى التحتية للكهرباء دائماً. لا يوجد مكان محدّد ينطلق منه عمل شبكة أنسم وأعضاء الفريق في الغالب يتصلون ويتواصلون عبر الإنترنت، وبالتالي فإنّ مشاكل البنية التحتية تخلق نكسة كبيرة. للتغلب على هذه المشاكل، تستخدم شبكة أنسم عدة تقنيات مبتكرة.

على سبيل المثال، يختار الأعضاء الذين هم على مقربة جغرافيّة من بعضهم البعض أفضل موقع به اتّصال إنترنت يمكن الوثوق به وكهرباء ثابتة حتى يتمكنوا من الانضمام إلى الاجتماعات عبر الإنترنت من هذا الموقع المشترك. كما يقوم أعضاء الشبكة بتسجيل وتلخيص اجتماعاتهم لمشاركتها مع الأعضاء الذين لم يتمكنوا من المشاركة بسبب مشاكل الاتصال غير المتوقعة.

هناك قيد آخر، بحسب دينا، وهو حقيقة أنّ النشطاء الإعلاميين في العراق ليسوا آمنين. نظراً لأن الإعلام السياسي عبر الإنترنت مُجرَّم سياسياً واجتماعياً. يستعين فريق شبكة أنسم بالأمن السيبراني باستخدام التشفير الذي توفره البرامج والأدوات المفتوحة المصدر. فيما يتعلّق بالمحتوى، تناقش شبكة أنسم دائماً الآثار المترتبة على أيّ محتوى حسّاس لوضع خطّة لنشره ويساعد الفريق أيّ عضوٍ في مواجهة التهديدات بسبب محتوى شبكة أنسم المنشور.

تشير دينا إلى أنّه في شبكة أنسم، “تلقّى العديد من أعضاء فريقنا تهديدات بالقتل (من الحكومة أو الميليشيات المسلّحة) بعد نشر محتوى ما. لقد ساعدناهم دائماً على نقل أماكنهم حتى تهدأ الأمور، وعندما أصبحوا بأمان ساعدناهم في العودة إلى منازلهم”.

تضيف دينا أن العديد من أعضاء الشبكة يعانون أيضاً من “جيوش رقمية” تقوم باختراق حساباتهم أو مهاجمتها أو الإبلاغ عنها.

درست دينا اللغة الفرنسية في جامعة بغداد. لم تتخصص في الإعلام أو الصحافة أو الاتصالات، لكن أصدقاءها في دراسات الصحافة ألهموها لتصبح ناشطة إعلامية. في البداية، كانت تدون وتكتب بشكل ارتجالي دون تدريب مسبق.

طوّرت مهاراتها كصانعة مادة إعلامية وناشطة من خلال تلقي دورات عبر الإنترنت وحضور ورش العمل التي يقدمها مجلس البحث والتبادل الدولي (IREX) والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID.

استناداً إلى خبرتها في التعليم الرسمي وغير الرسمي في مجال الإعلام، تقول دينا “لا توجد موارد كافية حول التربية الإعلامية باللغة العربية، وفي العراق، يكون التعليم الجامعي باللغة العربية” وتضيف “يجب أن يكون من السهل على الطلاب العثور على الموارد بلغتهم الأم بدلاً من ترجمة المحتوى من لغات مختلفة وأيضاً من وجهات نظر نابعة من ثقافات مختلفة”.

من أكثر الأسباب التي تثير حماس دينا النضال من أجل حقوق المرأة، وهو سؤال تعتقد أنه لا يتم تغطيته بشكل كافٍ من قبل الصحفيين في العراق.

 

جميع الحقوق محفوظة © ٢٠٢٠ دِراية