انكفاضة‎ | تونس

هندة الشناوي | ناشطة | صحفية مستقلة

تأسست انكفاضة‎ في عام ٢٠١٤ من قبل مجموعة من الصحفيين والمطوّرين ومصمّمي الجرافيك كمجموعة إعلاميّة ثنائية اللغة غير ربحية. تعدّ تقارير انكفاضة‎ بمثابة نافذة على العدالة الاجتماعية في تونس وموجّهة نحو التوعية الجندرية، وهي تدّعي أنّها أوّل منصّة إعلامية في تونس تكتب حصريًا بلغة حساسة للجندرة باللغتين الفرنسية والعربية.

في عام 2017، انضمّت هندة إلى فريق انكفاضة‎ وركّزت تقاريرها على الحركات الاجتماعية وعنف الشرطة.

خلال سنوات نشاطها في انكفاضة‎، استخدمت هندة الصحافة في محاولة لتشرح للجمهور ماهية الظلم الاجتماعي والتمييز، وسبب تواجدهما في تونس، وكيفية محاربته:

“في كل مرّة نحاول التفكير في كيفية إقناع الناس الذين ليسوا على علم بهذا التهديد، لأنّ مثل هذه القضايا تهدّد البناء الاجتماعي والسلام في البلاد.”

ينصبّ التركيز التحريري في انكفاضة‎ على إعطاء صوت للمجتمعات المهمشة ووضع سياق مستمرّ لطبيعة الظلم الاجتماعي وحالة السلطة والحاجة إلى التنشيط الاجتماعي.

تهدف انكفاضة‎ إلى دعم المصلحة العامة في تونس من خلال محتوى صحفي مبتكر يساعد القراء على فهم السياسة التي تؤثّر على حياتهم اليومية والانخراط فيها. انكفاضة‎ تضع نفسها “كقوة مضادة ضد جميع المظالم التي تنبع من الفساد وإفلات السلطات من العقاب”.

تحارب انكفاضة‎ الفساد السياسي والظلم الاجتماعي من خلال تزويد المواطنين بحقّ الوصول إلى المعلومات التي تساعدهم على فهم المشاكل. وهذا يشمل التركيز على الموضوعات المحظورة التي عادة ما يتم إسقاطها من التغطية الإعلامية السائدة وتجاهلها من قبل الأجندة السياسية للحكومة. على سبيل المثال، في انكفاضة‎، تشمل التغطية التركيز على قضايا الهجرة التي تؤثّر على العديد من الناس في تونس وعادة لا تتم مناقشتها في وسائل الإعلام الرئيسية.

تشرح هندة أنّ هدف انكفاضة‎ “إبقاء الناس على اطلاع بما نعتقد أنه مهم حقًا للتونسيين”

ومن خلال هذا النهج، تحاول انكفاضة‎ أيضًا التركيز على محتوى الوسائط الاجتماعية، والذي تسميه هندة “محتوى الوجبات السريعة”، والذي يحتاج إلى أن يكون قويًا وبسيطًا وتفاعليًا لجعل الجمهور يقرأ ويشاهد ما يتم نشره عبر الانترنت.

الإنجاز الرئيسي لانكفاضة‎ هو أنها لا تزال تزدهر بشكل مستقل عن تمويل جميع الأحزاب السياسية، على عكس غالبية وسائل الإعلام في تونس. لهذا السبب، تُعرف انكفاضة‎ كمصدر إخباري مستقلّ على الإنترنت للصحافة الاستقصائية في تونس، وفقًا لـ International Media Support (IMS).

ثانيًا، حقّق موقع انكفاضة‎ الوصول إلى جمهور كبير يتراوح بين ٧٠،٠٠٠ إلى ١٠٠،٠٠٠ زائر فريد شهريًا. بالإضافة إلى ذلك، لدى انكفاضة‎ قاعدة كبيرة من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي مع أكثر من ١١٤،٠٠٠ على فيسبوك وحوالي ٣٥،٠٠٠ على تويتر.

انكفاضة‎، المسجلة كمنظمة إعلامية غير ربحية، تتكون من فريق شاب ومتنوع. يبدأ التسلسل الهرمي في انكفاضة‎ بالمجلس الذي يضم المؤسس المشارك مالك خضراوي كمدير للنشر ورئيس التحرير، يليه مجموعة من الصحفيين – معظمهم من النساء – يكتبون المقالات وينتجون البودكاست، وفريق تقني.

جميع العاملين في انكفاضة‎ تونسيون، وتتراوح أعمارهم بين ٢٥ ٣٥ سنة. كان لأعضاء الفريق التسعة الأساسيين الذين أطلقوا انكفاضة‎ خبرة إعلامية سابقة، بمن فيهم بعض الذين عملوا في جمعية نواة.

يتم تمويل انكفاضة‎ حصريًا من قبل المنظمة الأم “الخط” التي تقدم الإنتاج والخدمات الأخرى حتى يتمكّنوا من الدفع للصحفيين دون الاعتماد على المانحين الدوليين. لتحقيق الاكتفاء الذاتي، تقدم انكفاضة‎ خدمات مثل تدريب الصحفيين وورش العمل الإعلامية للشباب ونشطاء المجتمع المدني، وتقديم خدمات تطوير مواقع الويب للمنظمات غير الحكومية أو الجمعيات الأخرى.

عندما يتعلق الأمر بنشر المحتوى في انكفاضة‎، تتم مناقشة كل مقالة وبودكاست داخليًا من قبل مجلس الإدارة والصحفيين، ثم يوافق عليها رئيس التحرير للنشر.

كان نهج صنع القرار في انكفاضة‎ مختلفًا وفقًا لهندة لأنّ المنظمة تضمّ نساء في مناصب رئيسية. تصف هندة تجربتها في انكفاضة‎ قائلة:

“بالنسبة لي هي أول وسيلة إعلام نسوية حقيقية في تونس. رئيس التحرير امرأة وهناك الكثير من النساء يعملن هناك. إنهم يهتمون بالمساواة بين الجنسين والجو الآمن للمرأة”.

كما أكدت أن الأخلاق التي تمارس في انكفاضة‎ بسيطة وقائمة على احترام جميع حقوق الإنسان.

تصف هندة أن مواقع الناشطين الإعلاميين استغرقت وقتًا للتكيف مع العصر الجديد للوسائط الرقمية أو الويب. في البداية، لم يطوّروا نهجهم الرقمي ولكنهم اعتمدوا على نفس التقنيات التي استخدموها في عام ٢٠١١ على فيسبوك في عام ٢٠١٧، والتي ثبت أنّها غير مجدية.

“على سبيل المثال في جمعية نواة، بين ٢٠١٧ و٢٠١٨ لم نقدّم مادة مصوّرة على الإطلاق لأننا رفضنا تحميل مقاطع الفيديو على فيسبوك. حمّلناها على يوتيوب، لذا لم تسمح الخوارزميات على فيسبوك بإعادة بثّ مقاطع الفيديو التي ننتجها. واصلنا أيضًا كتابة مقالات طويلة، وهو ما لم يكن ما يتوقعه الناس منّا لأنهم لا يحبون المقالات الطويلة”.

تدفع انكفاضة‎ دائماً باتجاه تفعيل المجال الرقمي من خلال البحث دائمًا عن طرق لتكون أكثر نشاطًا عبر الإنترنت، بما في ذلك زيادة المحتوى المنشور عن طريق تقديم ملفات تدوين صوتي (بودكاست) وإضافة المزيد من محتوى الوسائط المتعددة والمرئيات. بالنسبة للنص، استمرّ صحفيو انكفاضة‎ في كتابة مقالات طويلة، لكنهم قاموا ببنائها وتنظيمها بطريقة تجعل الجمهور إذا قرأ الفقرتين الأوليين يمكنهم فهم القصة بأكملها.

هناك طريقة أخرى تروق لجمهورهم وهي إنشاء ملفات بودكاست لكل مقالة بحيث يمكن للمستخدمين الاستماع إلى محتوى انكفاضة‎ بدلاً من قراءته إذا كانوا يفضلون ذلك.

خلال الثورة، كان أحد التحديات التي واجهت هندة هي عندما أرادت إنشاء تقرير صحفي بالفيديو على الأرض مع أشخاص في جنوب تونس، التي كانت آنذاك منطقة عسكرية. واجهت العديد من المشاكل مع الجيش والشرطة الذين حاولوا إبعادها ومنعها من التقاط الصور عندما اكتشفوا أنها تعمل في وسائل الإعلام البديلة التي تنتقد الحكومة.

إحدى أكبر العقبات التكنولوجية التي تواجهها المواقع الإخبارية في تونس هو الخوف الدائم من الاختراق من قبل الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، تصف هندة كيف يتوقع جمهور الإنترنت أنه يجب دائمًا تحديث مواقع الويب وإعادة تصميمها لتبقى جذابة وتناسب الاتجاهات المتغيرة باستمرار.

يجب أن تتكيف ممارسات انكفاضة‎ الأمنية والإعلامية باستمرار مع التهديدات المستمرة للهجمات الإلكترونية، وتغيير ديناميكيات وخوارزميات الوسائط الاجتماعية لإبقاء محتوى جميع منصاتها مرئيًا. كمواقع إخبارية على الإنترنت، يجب على موقع انكفاضة‎ أن يظل نشطًا وتفاعليًا.

في انكفاضة‎، تصف هندة فريقًا صغيرًا يعمل بجد. “عندما يكون لديك فريق صغير وعليك أن تكون في وسائل الإعلام، فإنّك تواجه دائمًا نفس المشكلة التي يتعين على هؤلاء الأشخاص الأربعة أو الخمسة القيام بكل شيء في نفس الوقت”.

يشارك أعضاء الفريق العديد من المهام من كتابة المقالات إلى تحرير مقاطع الفيديو، وإنتاج ملفات التدوين الصوتي (بودكاست)، والتوصل إلى أفكار جديدة ومناقشتها، وإعداد التقارير على الأرض ثم العودة إلى المكتب للكتابة. بالنسبة إلى الفريق الصغير الذي يدير المواقع الإخبارية، أشارت هندة إلى أن “نقص الموارد يضع الكثير من الضغط على الصحفيين”.

هند خريجة معهد الصحافة وعلوم الاخبار في تونس. بالإضافة إلى عملها المستقل مع انكفاضة‎ ونواة في تونس، تعمل أحيانًا مع وسائل الإعلام الأجنبية. وهي تقوم حاليًا بإطلاق أوّل مجلة إلكترونية نسوية وكويرية في تونس، من المقرّر إطلاقها في ٢٠٢٠.

خلال دراستها الجامعية في المعهد، شعرت هندة أنّها وزملائها الطلاب لم يتمّ تدريبهم على العمل كصحفيين، ولكن ليكونوا أداة بيد الحكومة. تصف هندة دراستها فتقول: “لم نكن ندرس الصحافة أو التواصل. كنّا ندرس تقنيات لتعزيز الديكتاتورية في تونس وتجنّب كل المواضيع المهمة في البلاد. هذا النهج في تعليم الصحافة يتناقض مع آراء هندة حول دور الإعلام في المجتمع؛ “أن تكون صحفيًا يعني الاهتمام بالناس ومنحهم صوتًا، وخاصة النساء”.

بدأت هندة تجربتها في شبكة الويب العالمية في نهاية عام ٢٠٠٤ وأوائل عام ٢٠٠٥، والتي كانت قد تمّ تفعيلها مؤخرًا في تونس. هناك بدأت تقرأ عن النضالات السياسية في تونس على مدونات مختلفة وبدأت حياتها المهنية في النشاط الإعلامي كمدوّنة تحت اسم هندة هندود عام ٢٠٠٧ للحديث عن حرية التعبير وحقوق الإنسان والمرأة والحقوق الجنسية انطلاقاً من تجربتها الشخصية في تونس. بدأت ببطء في نشر أخبار حصرية على مدوّنتها. وهي اليوم لا تزال تنشط على منصات فيسبوك وتويتر وانستقرام.

بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠١٠، عملت هندة كصحفية مستقلة تغطي موضوعات تتعلق بالثقافة التحتية (أو المهمشة) والفن في تونس. بهذه الطريقة، شعرت أنّها تسلّط الضوء على الفنانين الشباب الذين لديهم آراء اجتماعية مختلفة عن سائر الفئات العمرية في البلاد. كما كانت لديها بعض الخبرة في العمل الحر مع “الطريق الجديد“، إحدى الصحف المعارضة، ومع المحطة الإذاعية المستقلة على الإنترنت “راديو كلمة“. خلال هذا الوقت، أصبحت أيضًا نشطة على فيسبوك.  تشرح هندة:

“لقد غيّر فيسبوك كثيرًا في تكويننا كصحفيين وناشطين. لقد كانت وسيلة إعلام مفتوحة تمكننا من كتابة مقالاتنا بسرعة ونشرها ومشاركتها”.

كان عام ٢٠١٠ نقطة محورية في حياتها. في ذلك الوقت، كانت ناشطة عامة على فيسبوك بينما كانت تعمل أيضًا في محطة راديو شمس إف إم الموالية للنظام. كانت المحطة الإذاعية مملوكة لابنة الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي، وكل ما كان يمكن للصحفيين ومقدمي البرامج أن يتحدثوا عنه كان الموسيقى والحياة الليلية ومواضيع أخرى خفيفة. هذه الممارسات، كما تلاحظ هندة، تكشف عن تأثيرها على الجمهور؛ “يستغرق الأمر وقتًا طويلاً في ظلّ الدكتاتورية لإدراك تعقيد الوضع، خاصّة وأن الدعاية قوية جدًا”. كما وصفت تأثير الدعاية الإعلامية على الجمهور، مشيرة إلى أن الطبقة الوسطى من السكان الذين لديهم وظائف مستقرة يجدون صعوبة في قبول أنهم يعيشون في ظل دكتاتورية في تونس.

بالتوازي مع ذلك، كانت هندة على اتصال دائم بفيسبوك لمتابعة الأخبار حول الأمور المهمة والتعبير عن آرائها السياسية بطرق مختلفة مثل المشاركة في الحملة ضد الرقابة في تونس في عام ٢٠١٠. بعد أن بدأت الثورة في عام ٢٠٢٠، قامت هندة بتغيير في حياتها المهنية لتتفرّغ للتركيز على عمل وسائل الإعلام المستقلة والنشاط السياسي.

تذكر أنه “عندما بدأت الثورة في نهاية عام ٢٠١٠، غيّرتُ كل مسيرتي المهنية لأصبح صحفية مستقلة متفرغة تعمل في الإذاعة والتلفزيون والمواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام الأجنبية والتونسية، وأعمل معظم الوقت مع الحركات الاجتماعية على إصلاحات حول قوانين الشرطة واستخدام العنف.”

من عام ٢٠١٤ حتى ٢٠١٨، عملت هندة بدوام كامل مع نواة، الموقع الإخباري الرائد والمستقل في تونس. قامت بإعداد تقارير مصورة ومقالات نصية لنواة. “لم يكن الكثير من الناس في ذلك الوقت يرغبون في ممارسة الصحافة والتركيز على المشكلات الاقتصادية، وليس المشكلات السياسية فقط”. منذ ذلك الحين، عملت بشكل حرّ في نواة وانكفاضة‎، وهما من رواد وسائل الإعلام المستقلة والمناهضة للوضع الراهن في تونس. تقر هندة بأنها تنقّلت كثيراً بين وسائل الإعلام خلال تلك الفترة، وتوضح أن هذا الانتماء المتغير قد لا يكون دائمًا من خلفية سياسية ولكن يمكن تحديده أيضًا من خلال المصالح الاقتصادية.

جميع الحقوق محفوظة © ٢٠٢٠ دِراية